اصنع في الإمارات.. إلى العالم

“الرجال هم من يصنعون المصانع… وهم من يصنعون حاضرهم ومستقبلهم” — بهذه الكلمات وضع القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، البذرة الأولى لاستراتيجية الصناعة في دولة الإمارات.

فوراء كل رقم يتحقق، هناك حكاية إنسان. حكاية مهندس إماراتي يقف خلف آلات الإنتاج، وباحثة تطوّر مواد تدخل في صناعة لقاحات وطنية، وشاب يقود مصنعًا يصدر منتجاته إلى أسواق العالم.

إنها ليست مجرد صناعة، بل منظومة متكاملة من الإبداع، والتمكين، والريادة، تعكس رؤية دولة جعلت من الإنسان محركًا أساسياً للتنمية الصناعية.

فقد نهضت دولة الإمارات العربية المتحدة على رؤية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان التي تجاوزت أحلامه حدود الزمن، فصنع من الحلم دولة، ومن الدولة قصة، ومن القصة مستقبلاً، ذلك الرجل الذي أدرك منذ البدايات أن الأوطان لا تُبنى فقط على مصدر محدود وناضب مثل النفط، بل بالإنسان والصناعة والمعرفة، من هنا غدت رؤيته واضحة في تطوير القطاع الصناعي، وكانت من أهم أولوياته في تلك المرحلة تأسيس بنية تحتية صلبة تكون قادرة على حمل طموحات الدولة الحديثة، وبالفعل أثبتت الأيام بُعد نظرته وسعة أفقه؛ فكانت الطرق الجديدة، والمطارات الدولية، والموانئ البحرية، وشبكات الخطوط الهاتفية المتطورة هي الجذور التي نبتت منها شجرة الصناعة، وأبرزت الإمارات كلاعب رئيسي في العالم الصناعي الحديث.

ومن هنا، وحين نُمعن النظر في التحولات الكبرى التي شهدتها دولة الإمارات منذ تأسيسها عام 1971، فإن القطاع الصناعي يبرز بوصفه شاهداً جوهرياً على تطور البلاد، لا من حيث البنية التحتية وحسب، بل من حيث الرؤية والابتكار والمنافسة العالمية، لقد اختارت الإمارات مبكراً أن يكون التصنيع إحدى دعاماتها الاقتصادية، فمضت في هذا الطريق بعزم لا يلين، وبإرادة صلبة لا تكسرها التحديات الإقليمية والعالمية، مرتكزة على فلسفة تقوم على التكامل بين الطموح الوطني والانفتاح العالمي، بين الاستثمار في الإنسان والانخراط في ثورات التقنية المتلاحقة.

ولأن النهايات تكتبها البدايات، ولأنه لا يوجد حصاد بدون زراعة، كان لزاماً أن نُقلب صفحات التاريخ الصناعي للإمارات، حتى نلمس كيف كانت البدايات تحمل ملامح طموح أكبر من الإمكانيات المتاحة آنذاك، حيث لم تكن هناك قاعدة صناعية كبيرة، بل كانت الإمارات دولة فتية تعتمد في اقتصادها بشكل شبه كلي على تصدير النفط الخام، لكن بوصلة الرؤية كانت تشير إلى ما هو أبعد من الآبار والمنشآت النفطية، إلى المصانع والمعامل، إلى مدن الإنتاج، إلى التنويع.

ومن هنا لم تعد الصناعة في دولة الإمارات خياراً تكميلياً، بل باتت ضرورة وجودية وركناً من أركان الاستقرار والنمو المستدام، ولعل ما يشهده القطاع الصناعي الإماراتي في الوقت الراهن من تحوّل رقمي متسارع، وتكامل مع منظومات الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والخوارزميات الذكية، إنما يعكس انتقال الإمارات من مرحلة التصنيع إلى مرحلة “إعادة تعريف التصنيع”، إنها تنتقل من الصناعة بوصفها إنتاجاً إلى الصناعة بوصفها ابتكاراً.

فمنذ مطلع القرن الحادي والعشرين، دخلت الصناعة الإماراتية مرحلة جديدة من النضج والتمكين، وبحسب البيانات الحديثة وصل عدد المؤسسات في سوق التصنيع إلى نحو 36 ألفاً مع نهاية عام 2024، وبلغ عدد الموظفين في هذا المجال أكثر من 737 ألف شخص، ما أسهم في الناتج المحلي الإجمالي بما يقارب  205 مليارات درهم، وهو ما شكل حجر الزاوية في استراتيجية التنويع الاقتصادي التي تسعى لأن تجعل مساهمة القطاع غير النفطي تتجاوز 50% من الناتج المحلي بحلول عام 2031.

في هذا السياق، جاء إطلاق “استراتيجية الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة” عام 2021، تحت شعار “مشروع 300 مليار”، بمثابة نقطة تحول فارقة في مسار التصنيع الإماراتي، إذ تهدف هذه الاستراتيجية إلى رفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي من 133 مليار درهم إلى 300 مليار درهم بحلول عام 2031، ما يعكس طموحاً وطنياً غير مسبوق لإعادة تعريف الصناعة العربية بصيغة حديثة قائمة على الابتكار والاستدامة والسيادة التقنية، والاكتفاء الذكي، والتصنيع السيادي، والتنمية القائمة على الابتكار.

ولم تكن تلك الرؤية لتتحقق لولا تأسيس بنية تحتية صناعية تُضاهي نظيراتها في الدول المتقدمة، ما خلق بيئة تمكينية للاستثمار الصناعي تعززها التشريعات المرنة، ما جعل من الإمارات بيئة خصبة للابتكار والتصنيع الذكي، فقد أنشأت الدولة مناطق صناعية ومدناً متخصصة تُعد من بين الأكثر تطوراً في المنطقة، مدينة خليفة الصناعية (كيزاد)، على سبيل المثال، تضم ميناء خليفة، أحد أكثر الموانئ تطوراً في العالم، ما يوفر قدرات لوجستية متميزة للشركات العاملة فيها.

وفي دبي، تُعد منطقة دبي الصناعية، التي تمتد على مساحة 560 مليون قدم مربعة وتضم نحو 1000 شركة صناعية، مركزاً حيوياً للصناعات المختلفة، مع ربط مباشر بميناء جبل علي ومطار آل مكتوم الدولي أحد أكبر المطارات العالمية، أما مجمع دبي للاستثمار، فهو مركز متكامل للصناعات الخفيفة والمتوسطة، ويضم مناطق متخصصة مثل مدينة دبي للسيليكون لصناعات التكنولوجيا المتقدمة.

ولم تغفل الإمارات عن الصناعات المتخصصة، فأنشأت مدينة دبي الصناعية للطيران، التي تمتد على مساحة 6.7 كيلومتر مربع، وتضم منشآت متطورة لصيانة وإصلاح وتجديد الطائرات، كما تأسست مدينة الشارقة للإعلام (شمس)، التي تركز على الصناعات الإبداعية والإعلامية، وتوفر بيئة متكاملة لهذه الصناعات.

أما في الجانب التكنولوجي، فقد استثمرت الإمارات في بنية تحتية تكنولوجية متقدمة، تشمل شبكة اتصالات بتقنيات الجيل الخامس (5G) وألياف بصرية عالية السرعة، ومراكز بيانات عملاقة تدعم التحول الرقمي للصناعة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، كما تمتلك منظومة متكاملة للطاقة، تضم مصادر متنوعة للطاقة التقليدية والمتجددة، ما يضمن إمدادات مستقرة للمنشآت الصناعية، إضافة إلى شبكة الطرق المتكاملة، التي تربط بين مختلف الإمارات والمناطق الصناعية، وشبكة السكك الحديدية المستقبلية (الاتحاد للقطارات)، وهو ما يعزز من كفاءة النقل والتوزيع.

تابعنا عبر هذه :

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
WhatsApp
Telegram

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع أخبارنا
تابعنا الآن

    اشترك في النشرة الإخبارية لدينا

    تابع أخبارنا علي مدار الـ 24 ساعة ممكن تسجل الآن

    Create a new perspective on life

    Your Ads Here (365 x 270 area)
    تابع أخبارنا
    تابعنا الآن

    Create a new perspective on life

    Your Ads Here (365 x 270 area)
    تابعنا الآن

    Create a new perspective on life

    Your Ads Here (365 x 270 area)

    نبذة عنـــــــــــــــا..

    موقع حزب حقوق الإنسان والمواطنة الإخباري

    “موقع حقوق الإنسان والمواطنة” موقع إخباري إلكتروني شامل، يصدر عن حزب “حقوق الإنسان والمواطنة”، وتم تدشينه رسميا في 12 نوفمبر من عام 2024.

    يعمل “حقوق الإنسان والمواطنة نيوز” وفق القواعد المهنية والإعلامية الأصيلة، تحت شعار “صحافة بقيمة الوطن”، مع الحرص التام على المصداقية المطلقة وشفافية المعلومات في كل الأخبار.