الخليج وأميركا.. شراكة تجارية في مواجهة التحديات العالمية

تُعدّ العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج من أبرز النماذج العالمية للتحالفات المتعددة الأبعاد، إذ لا تقتصر على التعاون السياسي أو التجاري فحسب، بل تمتد إلى شراكة استراتيجية مترابطة تجمع بين المصالح الأمنية والاقتصادية والتكنولوجية في آن واحد.

منذ عقود، احتلت دول الخليج موقعاً محورياً في أجندة السياسة الخارجية الأميركية، مدفوعة بعوامل عدّة أبرزها الثروات السيادية، والموقع الجيوسياسي الحيوي، والدور المؤثر في أسواق الطاقة العالمية، إلى جانب التقدم الملحوظ في مجالات التكنولوجيا والاستثمار، وما باتت تحققه من تأثير إقليمي ودولي متزايد.

هذه العلاقة تجاوزت منذ زمن طويل الإطار التقليدي للتعاون، لتتحول إلى منظومة شراكة متشابكة تقوم على تنسيق أمني وعسكري رفيع المستوى، إلى جانب استثمارات ضخمة في قطاعات حيوية مثل البنية التحتية، والصناعات المتقدمة، والذكاء الاصطناعي. وفي ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، تسعى دول الخليج إلى تنويع تحالفاتها دون التفريط في العلاقة التاريخية والاستراتيجية مع واشنطن.

جولة ترامب.. رسائل سياسية واستثمارية

في هذا السياق، تأتي جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى ثلاث دول خليجية — السعودية، الإمارات، وقطر — كمؤشر عملي على متانة هذا التحالف. فرغم أنها زيارة رئاسية، إلا أن أبعادها تتجاوز البروتوكول إلى ترجمة سياسية واستثمارية لعلاقات طويلة الأمد.

وبحسب بيانات رسمية، فقد سجل التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وهذه الدول الخليجية أرقاماً تعكس حيوية العلاقة الاقتصادية، وإن شهدت بعض التذبذبات المرتبطة بالتحولات الاقتصادية العالمية.

أداء التبادل التجاري في 2024

مع المملكة العربية السعودية:

  • إجمالي التجارة: 25.9 مليار دولار
  • الصادرات الأميركية: 13.2 مليار دولار (بانخفاض 4.8٪)
  • الواردات من السعودية: 12.7 مليار دولار (بانخفاض 19.9٪)
  • الفائض التجاري الأميركي: 443.3 مليون دولار (زيادة 121.6٪)

مع دولة الإمارات:

  • إجمالي التجارة: 34.4 مليار دولار
  • الصادرات الأميركية: 27.0 مليار دولار (زيادة 8.5٪)
  • الواردات من الإمارات: 7.5 مليار دولار (زيادة 12.9٪)
  • الفائض التجاري الأميركي: 19.5 مليار دولار (زيادة 6.9٪)

مع دولة قطر:

  • إجمالي التجارة: 5.6 مليار دولار
  • الصادرات الأميركية: 3.8 مليار دولار (انخفاض 18.3٪)
  • الواردات من قطر: 1.8 مليار دولار (انخفاض 10.3٪)
  • الفائض التجاري الأميركي: 2 مليار دولار (انخفاض 24.5٪)

شراكات تتجاوز الأرقام

لكن قراءة هذه المؤشرات لا تكتمل دون الإحاطة بالسياق الأشمل للعلاقة بين الجانبين، والتي تتميز بترابط وثيق بين الاقتصاد والسياسة والأمن. ويشير الخبير الاقتصادي وضاح الطه إلى أن اختيار ترامب لهذه الدول الثلاث يعكس حجم التأثير الخليجي في السياسة العالمية، مشدداً على أن مؤشرات “القوة الناعمة” تضع كلاً من السعودية والإمارات وقطر في مراتب متقدمة عالمياً.

ويرى الطه أن الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تنعم به دول الخليج، إلى جانب امتلاكها لصناديق سيادية ضخمة، يعزز من قدرتها على بناء علاقات استراتيجية طويلة الأمد، خصوصاً في قطاعات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، مؤكداً أن العلاقة مع الولايات المتحدة ليست ظرفية بل جزء من رؤية اقتصادية أوسع.

الاقتصاد في صلب الجولة

وفي سياق متصل، يرى المفاوض الأميركي المخضرم دينيس روس، في تصريح لصحيفة نيويورك تايمز، أن الزيارة الحالية تضع الملف الاقتصادي في مقدمة الأولويات، لافتاً إلى أن دول الخليج باتت تمثل قوة مالية كبرى، تُدير أصولاً بتريليونات الدولارات وتلعب دوراً محورياً في المشهدين السياسي والاقتصادي الدوليين.

ومن السعودية، يقول المحلل الاقتصادي عبدالله القحطاني إن جولة ترامب مرشحة لتمخّض عدد من الاتفاقيات الاستثمارية الكبرى، لا سيما في ظل ما أعلنت عنه الإمارات من إطار استثماري بقيمة 1.4 تريليون دولار على مدى عقد في السوق الأميركية، والسعودية التي تعهدت بحزمة استثمارات تصل إلى 600 مليار دولار.

ورغم التوجه الخليجي لتنويع الشراكات — وعلى رأسها الشراكة المتنامية مع الصين، الشريك التجاري الأول للمنطقة — إلا أن واشنطن تظل الحليف الأكثر تأثيراً، بفضل الأبعاد الأمنية والسياسية التي لا يمكن الاستغناء عنها، حسب القحطاني.

تحديات وفرص

لكن العلاقات الاقتصادية ليست بمنأى عن التحديات، إذ يلفت القحطاني إلى أن الرسوم الجمركية الأميركية قد تؤثر على بعض الواردات الخليجية مثل السيارات والإلكترونيات، ما يتطلب تفاهمات مشتركة لتخفيف الأعباء، والحفاظ على استقرار العلاقة.

ويختم قائلاً إن جولة ترامب، رغم تركيزها على الاقتصاد والاستثمار، تُشكل خطوة لتعزيز الثقة وترسيخ شراكات ممتدة، مع تركيز خاص على ملفات الذكاء الاصطناعي والطاقة، مستفيدة من العلاقات الشخصية الوثيقة بين الإدارة الأميركية وقادة الخليج.

تابعنا عبر هذه :

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
WhatsApp
Telegram

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع أخبارنا
تابعنا الآن

    اشترك في النشرة الإخبارية لدينا

    تابع أخبارنا علي مدار الـ 24 ساعة ممكن تسجل الآن

    Create a new perspective on life

    Your Ads Here (365 x 270 area)
    تابع أخبارنا
    تابعنا الآن

    Create a new perspective on life

    Your Ads Here (365 x 270 area)
    تابعنا الآن

    Create a new perspective on life

    Your Ads Here (365 x 270 area)

    نبذة عنـــــــــــــــا..

    موقع حزب حقوق الإنسان والمواطنة الإخباري

    “موقع حقوق الإنسان والمواطنة” موقع إخباري إلكتروني شامل، يصدر عن حزب “حقوق الإنسان والمواطنة”، وتم تدشينه رسميا في 12 نوفمبر من عام 2024.

    يعمل “حقوق الإنسان والمواطنة نيوز” وفق القواعد المهنية والإعلامية الأصيلة، تحت شعار “صحافة بقيمة الوطن”، مع الحرص التام على المصداقية المطلقة وشفافية المعلومات في كل الأخبار.